لم يكن بناء المسجد من أولى الأعمال التى قام بها النبى صلى الله عليه وسلم أمر جاء مصادفة بل كان خطاب السماء. . دعوها فإنها مأمورة. . فبركت. . بركت حيث أمرت. . حيث سيكون بقعة من أفضل البقاع. . كان أول مشروع قام به صلى الله عليه وسلم فى مجتمعه الجديد فى طيبة الطيبة. .
وضع حجر الأساس وبدأ العمل. . بدأ لتكون روضة من رياض الجنة. . لتتربى الأرواح الطاهرة. . ولتنطلق الدعوة الكريمة. . وليشع نوره للناس وخيره للبشرية بأسرها. .
كان البناء ليكون نقطة إرتكاز لنا طوال يومنا بل طوال حياتنا. . فالمسجد تقام فيه الصلوات الخمس كل يوم. . وجمعة كل أسبوع. . وفيها يكون البناء للزواج. . وفيه، وفيه. . أحداث كثيرة تجرى فيها.
منازل الرحمة والسكينة:
هذا ما يقوله الدكتور عائض القرنى فى كتابه: - (المسجد مهد الانطلاقة الكبرى) : - (فالقلوب لا تتأدب إلا بالتربية المتأنية، والكلمة اللينة، والقدوة الحسنة، وهذه كلها وجدت في مسجده عليه الصلاة والسلام، أما أن تتحول المساجد إلى دور للتعزير والضرب وأماكن لتأديب المخطئين، فهذا ما لا يليق بها ولا يتفق مع دورها العظيم في حياة المجتمع، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: - قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:- (لا تقام الحدود في المساجد ولا يستفاد فيها) .
ولذلك فإن قطع يد السارق، وجلد الزاني البكر، ورجم الزاني الثيب، وجلد شارب الخمر وغيرها من الحدود والعقوبات الشرعية لا تكون في المساجد؛ لأن معني ذلك أنها سوف تتحول من منازل للرحمة والسكينة إلى ثكنات للتخويف وقلاع لتأديب المجرمين والعصاة الذين يمكن تأديبهم في مكان آخر غير المسجد.
أنظر أخي المسلم إلى روعة الإسلام وجماله وكماله، حينما جعل المساجد أماكن لتربية النفوس وتهذيبها وتربيتها التربية الإسلامية الفاضلة؛ فإذا ما عصت هذه النفوس وتمردت؛ فإن علاجها وتأديبها يكون خارج المسجد.
التجارة مع الله:
وعمار المساجد هم تجار الآخرة. . تجار مع الله. . وأما تجار الدنيا فهم عمار الدنيا بأسواقها. . قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:- (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله لك. وإذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا: لا ردها الله عليك) رواه الترمذي والنسائي. . فما كان لتجارة تعلوا على التجارة مع الله عز وجل. .
ففى المسجد يقسم ميراث رسول الله. . ليس مالًا طبعًا . . بل ميراث الخير والطاعة وأبواب الأجر العظيم: - (أتجلسون هنا في السّوق و ميراث رسول الله يقسم في المسجد) هذا ما قاله أبو هريرة رضي الله عنه للتجار فى سوقهم. . فأسرع الصحابة إلى المسجد للحصول على بعض الأشياء فلم يجدوا شيئًا فعادوا إلى أبا هريرة فقالوا: - لم نجد شيئًا . . قال ما وجدتم؟ . . قال: - وجدنا أناسا يتعلّمون العلم، قال هذا ميراث رسول الله صلى الله عليه و سلّم. .
ففى المسجد يشغل الجميع بتجارة ما أشرفها وما أعظمها عند الله عز وجل. . تجارة لا تعلوا عليها أى تجارة أخرى. .
إليه كل صاحب مشكلة يسير:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: - دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال: - يا أبا أمامة ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ ، قال: - هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: - أفلا أعلمك كلامًا إذا أنت قلته؛ أذهب الله عز وجل همك، وقضى عنك دينك؟! ، قال: - قلت بلى يا رسول الله، قال: - قل - إذا أصبحت وإذا أمسيت -: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك؛ فأذهب الله عز وجل – همي، وقضى عني ديني رواه أبو داود.
الكاتب: أ. محمود القلعاوي
المصدر: موقع المستشار